فقط قرش و”نص” لا غير

0
فقط قرش و”نص” لا غير

بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
Mutsdal55@gmail.com

فقط قرش و”نص” لا غير

# أحد بسطاء المنطقة –عليه رحمة الله- كان لا يعرف الحساب وبالتالي لا يفرق بين القروش ما هو الأكبر منها أو الأصغر وفي رحلته اليومية لسوق المدينة لبيع “القش” كانت وصية والده له بأن يبيع “الربطة” أو الحزمة منه بسعر قرش و”نص لا أكثر ولا أقل وذلك بعد أن يحدد له شكلهما وكيفية عدهما.
# فكان كل من يشتري منه يطالبه بالمبلغ المحدد فقط أما إذا قال له أحد الزبائن -وتكرمًا منه بعد أن يرثى لحاله- بأنه سوف يعطيه قرشين أو أكثر لعدم وجود “الفكة” وقتها يصيح في وجهه غاضبًا باعتبار أنه يريد خداعه “ما داير قرشين يا زول؛ بس أديني قرش ونص” والمحددات في ذهنه بشكل معين.
# إذًا فكل زبون يريد الشراء منه لابد أن يشتري “ربطة” أو حزمة واحدة لأنه لا يعرف ثمن الاثنتين منها أو الثلاث أو… أو… وإلا يحضّر قرش و”نص” لكل واحدة منها بمعنى آخر يا تجيب معاك الفكة بقدر ما تريد من حزم أو يا تشتري واحدة. فحقًا الجهل مصيبة فكان يتعب في بيعه حتى ينتهي ويُتعب من يشتري منه.
# لا أدري لماذا تذكرت تلك القصة في حال التأمل لواقع وحال البلد في كثير من القطاعات، مثلًا الثروة الحيوانية أو الزراعية فكثير من بضائعنا فيها نتعامل معها بذات عقلية البيع السابقة فقط بقرش و”نص” نرضى بالسعر الأقل ونرفض عمدًا أو تكاسلًا أو ربما جهلًا السعر العالي والمجزي والمشجع لإخراج البلاد من ظلمات أزماتها الاقتصادية.
# بالمثال يتضح الحال، فثرواتنا الحيوانية لا تصدّر ذبيحًا بل ترسل للخارج لحومًا حية تمشي بين موانئ السفن وصحارى التهريب، بالأدق نجعلها تمر بكل ما تحمل من خير في جلودها وشعورها وأوبارها وحشاياها وأظلافها وعظامها وما اختلط بالحوايا منها ولا نستفيد من كل مخلّفاتها تلك والذي كل واحد منها بأكثر من قرش و”نص”.
# أما في قطاعات الزراعة المختلفة فحدث ولا حرج سواءً الخضروات أو الفواكه أو التمور أو الحبوب فما يتلف منها بسبب سوء أو ضعف أو قلة المواعين التخزينية أو تأخير الحصاد لعدم وجود الحاصدات أو ما يشغلها من جازولين أو لانعدام جوالات الفارغ للتعبئة ناهيك عن الحرائق ما تشيب له رؤوس الميزانيات من لدن الشريف الهندي حتى الركابي ثم معتز موسى وهبة وجبريل.
# في ذات الجانب وفي ما يختص بمنتوج شجرة الهشاب والتي نملك أكثر من 80% من جملة الإنتاج العالمي فيها والتي باءت بالفشل كل محاولات نقلها لقارات وبلاد أخرى فما يعرف بالصمغ العربي استدراك حتى الصمغ نسميه بالعربي، فهل كان أولى تسميته بالصمغ الأفريقي وهل هناك غيره عربي أو أوروبي أو أمريكي بالطبع لا!!!
# فهذا الصمغ نصدره خامًا وفي جوالات “الخيش” الكبيرة بينما دول مجاورة لا تملك منه “عرق” شجرة واحدة تستفيد منه أكثر منا, فبعد أن يصلها عبر التهريب تعمل على معالجته كبودرة وتعبأ بشكل أنيق وغال في عبوات بلاستيكية صغيرة كدواء أو منكهات للحلوى والمياه الغازية واضعة اسمها كعلامة تجارية وأنها صاحبة الإنتاج.
# والحال ذاته ينطبق على منتوجات الكركدي والعرديب والتبلدي والسمسم، و”البركة” في الفول السوداني الذي لولا اسمه الذي اشتهر به لخسرناه أدبيًا حتى وإن اشتهر في بعض الدول العربية بـ”فستق العبيد” فلماذا لا نسمي كل المنتوجات السابقة بالسودانية بعد تحضيرها وتعبئتها بصورة جيدة والتي لجودتها ستنافس على العالمية دعك من الاقليمية.
# على كل الأمثلة كثيرة لسياسة الرضا بالثمن البخس والتي نكون فيها دومًا من الزاهدين وليس ببعيد منا قضايا تهجير حلفا وتعويضات قيام السد العالي وانفصال الجنوب بنفطه وخيراته ومشروعات الجزيرة والسكة الحديد وسودانير والقائمة تطول بل في بعضها لم نجد ما يساوي القرش و”نص” حتى.
# أخيرًا فإنا نعذر والد الابن البسيط لعلمه بحال ابنه لذا لم يطلب البيع منه بمبلغ أكبر حتى لا يخسر المبلغ المطلوب أصلًا فربما يعطيه أحدهم «تعريفة» مدعيًا أنها قرش و”نص” لكن كيف نجد العذر لمنظرينا الاقتصاديين أصحاب نظريات السوق الحر وتحرير الأسعار وغيرها.
# لأنه بسبب سياساتهم وممارساتهم وموافقاتهم أو غض الطرف على كل ما يحدث كأنما هم بذات عقلية الابن السابقة فقط يريدون قروش بسيطة مضمونة ومعروفة ومريحة فذلك خير من قروش كثيرة «”مجهجهة” ومجهولة ومتعبة. هذا والله المستعان. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!