العــدالـــة لا تتجــزأ
بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
mutsdal55@gmail.com
العــدالـــة لا تتجــزأ
# كثيرون منا يتحدثون -بلسانٍ مبينٍ- عن دولة فساد مترامية الأطراف ويطالبون فيها -عاجلًا لا آجلًا- بضرورة محاسبة فاسديها ومفسديها بصورة حاسمة ورادعة.
# ويبررون وينادون ليل نهار –ومعهم في ذلك كل الحق- بأن الشروع الحقيقي في هذه المحاسبة مهم جدًا لانتشال البلد من هاوية الخراب والدمار والانهيار.
# لكن غالبهم -إلا من رحم ربي وقليل ما هم- تجد معيارهم -سواءً بقصدٍ منهم أو بغير قصدٍ- يتجزأ في عدالة المساءلة والمحاسبة والمعاقبة.
# توضيح ذلك مثلًا تجد أحدهم يصدق أن كل من لا يعرفه أو لم يسمع به حتى يمكن أن يكون موضع اتهام للوقوع في دائرة الفساد.
# ويكاد يطير فَرِحًا بمحاسبته ومصادرة أمواله المنهوبة من المال العام وبلا أدنى تأخير يصفه بأنه أكثر أهل الأرض (والبر والبحر) فسادًا وإفسادًا.
# لكن عند مناقشته في اتهام أحد أقربائه -قرب أم بعد- بأنه مفسد فلربما دافع عنه بصورة أكبر مما يدافع بها قرييه الفاسد عن نفسه حال اتهامه وجهًا لوجهٍ.
# بل يحزن من أجله ويدافع عنه بأعذار وحجج جميعها مرفوضة لا مقبولة لكن خلاصتها الإصرار على أن كل تلك أمواله ورثها كابر عن كابر.
# فتأخذه حمية جاهلية القرابة فيغمض عينيه ويسد أذنيه وقبلهما يعطل عقله ليرفض جملةً وتفصيلًا كل (ادعاءات المدعين وإن أتوا بالبينة).
# وبما أن العدالة لا تتجزأ لكنها بهذه الطريقة الانتقائية غير المقبولة تعني وقوع المحاسبة فيها على الغرباء ونجاة الأقرباء (ولا يمين عليهم وإن أنكروا).
# فمتى نصل لقناعة أنه حتى لا يكون بيننا فاسدٌ واحدٌ يمشي مرحًا مختالًا بين الناس فليت كل من يعلم بفساد قريبه فإن لم يُبلّغ عنه فليُمسك عن الدفاع عنه؟
# إذًا فمن يحمي الفساد عندنا علاقات القرابة والنسب و”المعرفة” والقبيلة والمنطقة ولا يُبلّغ عنها إلا استثناءً في حالات الحسد والكيد الشخصي.
# ونشير هنا إلى أن من يدافع عن كل ما يقع في دائرة العلاقات السابقة مجتمعة ولا يقبل فيها مجرد الشك والارتياب وإن كانت تتضمن عتاة المفسدين في الأرض.
# بلا شك سيدافع عن نفسه -بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة- ولن يقبل فيها بمثقال ذرةٍ من شر الاتهام وإن وقعت في المحظور مرتكبة ذات الجُرم.
# وبحسب ما جاء في الأثر فإذا كان (الساكت عن الحق شيطان أخرس) فإن حال هذا المدافع باستماتة بلسانه عن باطل غيره وباطله لهو شيطانٌ ناطقٌ.
# للأمانة إننا جد بعيدون طالما لم نقتد بما رسخته السنة النبوية الشريفة بالمساواة في الأحكام إذ لا شفاعة فيها لقرابةٍ أو نسبٍ والشريف والضعيف فيها سواءٌ.
# ومصداق ذلك في قوله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم -في ابنته الشريفة العفيفة وحاشاها فعلة السرقة- :(وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). هذا والله المستعان. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.