«تسونامي» الغناء في القنوات السودانية

بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
Mutsdal55@gmail.com
«تسونامي» الغناء في القنوات السودانية
# في غالب أوقات شهر رمضان المعظم ليلًا أو نهارًا -وأيضًا في بقية أيام السنة وعكسًا للنظرية المعروفة أن الضوء (البرق) أسرع من الصوت (الرعد)- ما أن تمسك بـ”الريموت وتتحول من فضائية سودانية لأخرى إلاّ وطرق سمعك (صوت) الغناء قبل أن يبدأ (ضوء) الصورة في الظهور ومن ثم الاكتمال على شاشة “التلفاز”.
# وكيف لا يحدث ذلك طوال الوقت وموجة “تسونامي” الغنائية تتمدد وتتوزع بل كأنما هي تفرض فرضًا أيًا كانت المادة المقدمة لتغمرنا في جل خارطة البرامج المعروضة للمشاهدة في غالب قنواتنا إذن قطع شك هي أولًا متوفرة وبكثرة في برامج غنائية كاملة منسوخة الأفكار ومتكررة الوجوه ومتعددة الإعادة.
# وكذلك هي سائدة في الإعلانات وبرامج الحوارات واللقاءات والتي ما بين كل جملة فيها وأخرى يردد المذيع كأنما هو يريد أن يستريح من عبء التقديم ليردد بصوت طروب نخرج في فاصل غنائي ثم نواصل وبناءً على كل ذلك كأنه لم تسلم من هذه الموجة “التسونامية” العالية الصاخبة إلا نشرات الأخبار على قلتها وقليل من البرامج الأخرى.
# لتتخيل وقتها أن كل قنواتنا الفضائية هي متخصصة في هذا المجال ولا نحتاج لأن نذكر أن القنوات السودانية المشهورة بتخصصها في هذا النوع من البرامج لا تتعدى القناة أو القناتين لأن الكثير يحفظ عن ظهر قلب كل ما يتعلق بالغناء قنواته وأوقاته وأصحابه وكلماته وألحانه وقصص مناسباته ، بينما يجهل أو يهمل أصول الدين, لكنا ننوه أن القنوات الأخرى-غير المتخصصة- تظهر بهذا الثوب بل إنها تبز وتنافس صاحبات التخصص فيه.
# وما يزيد الطين بلة وبحسب تفاعل المتابعين لتلكم النوعية من البرامج الغنائية التي تحشد لها الأموال ومشاهير الفنانين والمقدمين والموسيقيين والنقاد الفنيين ومنها مثلًا لا حصرًا برنامج (أغاني وأغاني) لدرجة أن صار في ذهن الناس -عياذًا بالله- ما يذكر رمضان وإلا ذكروه مرتبطًا به وعليه يمكن أن تقيس برامج غنائية أخرى.
# في حين أن رمضان من باب أولى ان يرتبط به نزول القرآن ومعركة بدر وفتح مكة وفتح الأندلس وعين جالوت وكثير من المعارك التي فرق الله بها بين الحق والباطل, فلماذا يتم بث هذا البرنامج (أغاني وأغاني) بعد أو قل إن شئت أثناء الإفطار كأنما بقصد أو بغير قصد يغرس مفهوم حتى يروح الناس عن مكابدتهم للصيام.
# عليه فليطربوا ويتراقصوا ويتمايلوا فرحًا بتتمة الصيام, أفنصوم عن الطعام والشراب وسائر المفطرات ونحلل صيامنا على “دوزنة” الألحان و”نوتات” وترانيم الغناء لنفطر مشاهدة على “رُطب” أو تمرات” أغنية وإن لم نجدها فعلى “حسوات” من مقطوعة موسيقية ثم يعاود بثه في منتصف الليل وآخره ليتركوا كذلك فضل التهجد والسحور ولكن ما هكذا يكون الشكر لله على توفيقه لنا بإتمام صيام اليوم والشهر وقيامه.
# لنتساءل عن سر الاختيار لهذا التوقيت بالذات في كل عام، فهل إذا تم بث البرنامج المذكور في غير شهر رمضان فلن يشاهده أو يحفل به أحد فلماذا اختيار شهر الصيام والقيام والأيام المعدودات الذي أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
# لكن رغم كل هذه الخيرات في شهر النفحات الإيمانية لننال جائزة (لعلكم تتقون) التي تحتاج إلى مسابقة وصبر ومصابرة ومرابطة، لكنا نتجهز لها ولهذا الشهر بالمسلسلات والفوازير والأغاني والمسرحيات والتي يتسابق لها أصحابها بحرص -شيطاني- كبير ليتوافق ظهورها مع عدة أيام الشهر الفضيل لا عدة من أيام أخر بأي حال من الأحوال.
# تلاحظون إني تحدثت عن مواعيد بث الغناء وكثافة بثه بصورة عامة ومتعمدة انتهاكًا لحرمة الشهر العظيم ولم أورد من بداية المقال ما جاء في سبب نزول الآية: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله و يتخذها هزوًا أولئك لهم عذاب مهين) وإنها وردت في شأن رجل اشترى جارية وكانت تغنيه ليل نهار فشغلته عن ذكر الله.
# ويؤيد ذلك النهي الوارد في الحديث الشريف:( لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن واثمانهن حرام) وأيضُا جاء في السنة النبوية الشريفة:(ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف…) الحديث وكذلك ما ذكره بشأنه الصحابة رضوان الله عليهم فقد جاء عن إبن مسعود: (إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع).
# وأخيرًا فان كان الغناء من عمل أهل الحق والجنة فما هو عمل أهل الباطل والنار وهذا والله تعالى أعلم. سائلين الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل. آمين يا رب. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.
أرشيف الكاتب