من يملك ومن يستحق؟!

بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
mutsdal55@gmail.com
من يملك ومن يستحق؟!
* من أكبر مشكلات العمل التطوعي مع الجهات الحكومية لتقديم الخدمات العامة للمواطن في هذا البلد وفيها نحتاج لثقافة تعامل جديدة وجميلة.
* أنه إذا كان المواطن أصلًا يستحقها –وعلى هذا الأساس- قمت بعاجل الحب ومن القلب بتقديمها إليه ولتنال أيضًا معها أجر (تبسمك في وجه أخيك صدقة).
* فأنت عنده في منزلة (أعلى عليين) وسيمطرك بلسان ثناءٍ ومدحٍ أنت لم تسع إليه ولكن تقبله منه من باب: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله).
* أما إذا كان العكس أي هو لا يستحقها البتة وعلى ضوء ذلك وبكامل الاعتذار منك ترده بلطف وأنك لن تستطيع أن تقدم إليه شيئًا وليس بالإمكان أحسن مما كان.
* فأنت عنده من المتهمين باللصوصية والغش وأكل أموال الناس بالباطل وسيكيل إليك ولأهلك من الإساءات التي سريعًا ما ستهوي بكم جميعًا في جب (أسفل سافلين).
* بل قد تصنف عنده من وقتها فصاعدًا في خانة العدو الأول و”طوالي” وبلا أدنى تأخير ستتغير طريقة معاملته معك للأحسن أقصد للأخشن.
* وليت الأمر يقف عند حدود الإساءات اللفظية بل ستتبعه الزيادة وبمكاييل وافية من الإساءات الجسدية وإن نجوت من ضربه وركله فأنت من “المحظوظين”.
* سيبدأ بأخف الضررين التقطيب الحاد في وجهك وإذا صادفته في أي طريق وتكرّم عليك بإلقاء السلام -كعادة لا عبادة- ستسمعه من تحت “نخرينو”.
* هذا إن لم تكن وصلت عنده لمرحلة العداوة الكاملة -عيّاذًا بالله- ومقررًا بكل إصرار الجاهلية حرمانك من أن يلقى عليك سنة الإسلام السلام.
* كثيرون يعلمون أن كل ما سبق أقل ما يمكن أن تدفعه كضريبة للعمل العام لكن ما أقسى الاتهام بمحاباتك لقرابة أو لأحد أو لجهة على حساب الآخرين.
* ليتهم يعلمون أنك مجرد متبرع تأخذ من يد الحكومة وتعطي ليد المحتاج وأن معركة داحس والغبراء العطائية هذه ليس لك فيها ناقة ولا جمل.
* فمتى يفهم المواطن (المخدوم) بأن أخاه المتطوع (الخادم) يهتم بحرص كبير وبأقصى ما يستطيع لانتزاع حقوقه وتقديمها له على طبق من ذهب؟
* ولو كان الأمر بيديه أو ينفع فيه التمني فقط لأعطى كل من يقف أمامه ما يطلبه وما يرجوه فيحفظ ماء وجهه من الإراقة حتى ما قبل السؤال.
* لكنه أنى له أن يفعل وهو يقف تمامًا -وبكامل العجز وقلة الحيلة- في موقع المقالة المواسية: (العين بصيرة واليد قصيرة) فليتها مع بصر الأعين تطول الأيادي؟
* خاصة وأن المنظمات الحكومية وغير الحكومية تؤمن بأن ما لا يدرك كله لا يترك كله فتبذل قليل العطايا لمن يعملون إنابةً عنها في خدمة الأعداد الكبيرة من المحتاجين.
* إذًا هي ترميهم في بحر خط المواجهة الأول مع أصحاب الحاجة وتكتف أيديهم أحيانًا بكشوفات مسبقة ومع ذلك تحذرهم إيّاكم إيّاكم أن تبتلوا بماء حرمان أحد ما.
* مع علمها التام بأن غالب الناس محتاجة وبشدة وفي كافة مناحي ضرورات الحياة سواءً في مطعمهم ومشربهم وعلاجهم وتعليمهم و… و…
* هذا إن لم يكن كلهم محتاجين للعون والمساعدة -عاجلًا لا أجلًا- فكما يقولون: (الجيعان ما بيبرد الحارة) ونضيف معها أنه أيضًا: (ما بيحرر الباردة).
* فهنا نلحظ أن أيادي الاحتياج المتشابكة والمتشاكسة كثيرة بينما كيكة العطاء صغيرة جدًا وللأسف قد يزاحمهم فيها -وبكل الطمع- أغنياء الجيوب وفقراء النفوس.
* أي كأنما هي بقصد أو بغير قصد تورطهم مع المواطنين المحتاجين فإن كانت تعلم بذلك لكنها تتواري وراء التجاهل فتلك مصيبة وإن كانت لا تعلم فالمصيبة أكبر.
* فهذه التصرفات -غير المسؤولة- منها إن لم تتم مراجعتها ومعالجتها تجعل الكثير من المتبرعين في العمل التطوعي يولون الأدبار ويتولون يوم زحف العمل العام.
* مما يلقي بظلاله السالبة عليه فينفر الكثيرون من مجرد (الاقتراب والتصوير) حتى في مجالاته المختلفة وإن لم يحذروهم كما في المناطق العسكرية.
* “فيسدون منه أضنيهم دي بطينة ودي بعجينة” ليشتروا هدوء أعصابهم وراحة بالهم وقبل كل ذلك سمعتهم والتي لا تعوضها كل أموال الدنيا.
* وعليه نناشد كل الجهات والمنظمات العاملة في هذا المجال أن تعيد للعمل الطوعي سيرته الأولى خاصة في ما يلي دور المتبرعين للتعاون معها.
* وذلك بحصر أدوارهم كممثلين لها في المناطق المختلفة في (الدال على الخير كفاعله) أي يجهزون فقط المعلومات والقوائم الصحيحة لمحتاجي التبرعات فعليًا.
* على أن تقوم هي بنفسها بتوزيع الإعانات والمساعدات العينية والمادية بدلًا عن وضع المندوبين والمتطوعين في “وش” المدفع كما أسلفنا.
* ولأن المندوبين والمتطوعين هم جسور خير وإحسان لعبور العطاء عليها فلا يصح إلا أن نطلق على عطائهم (عطاء من لا يملك وإن كان لبعض من يستحق).
* فمتى يا منظمات تطوعية حكومية أو غير حكومية يكتمل بنيان عطائكما ونصل فيه لكامل التغطية لكل المحتاجين ويكون فعلًا (عطاء من يملك لكل من يستحق)؟ هذا وبالله التوفيق سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.