(عـليكـم اللـه) السـلام عـليكـم

0
(عـليكـم اللـه) السـلام عـليكـم

بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
Mutsdal55@gmail.com

(عـليكـم اللـه) السـلام عـليكـم

# أكثر ما كان يجعل الوالد –عليه من الله تعالى سحائب الرحمة والمغفرة والرضوان- ممتعضًا قرابة حد الغضب، مبادرته بـ”إلقاء” تحية السلام علي شباب اليوم، وعدم اكتراثهم بالرد عليه؛ مع تمام تأكده بأنهم يسمعونه بـحسب روايته العفوية -والتي لا تجد لهم البتة عذرًا- (العين مقابلة العين “والإضان مقاصدة الخشم”).
# ليغمغم من بعدها بصوت تقطّعه الانفاس الحارة من “الزعل”: بكلمة في ما معناها (بأن هؤلاء الشباب لا فرق بينهم وبين حاملة الأسفار علي ظهورها)، لكنه يزداد إصرارًا علي ابلاغ السلام لهم لمرة ثانية، حتي (يقتلع) منهم ردًا ينقلهم من تلك الدرجة “البهيمية” (أولئك كالأنعام).
# وإن لم يفعلوا ففي سلامه الثالث يقسم عليهم بإيمان غليظ قائلًا: (“عليكم الله”، السلام عليكم). فيرد بعضهم مندهشًا ويمضي لحال سبيله؛ لكنه يكثر الالتفات ناحيته، فيما صنف ثاني منهم تعتذر نظراته بـ”حياء” شحيح، بينما حركات جسده تنم عن اعتراض كبير؛ وإن وعد بـ”عدم” تكرار ذلكم التغافل، واللامبالاة، والتجاهل.
# أما الصنف الثالث منهم، فتلجمه مفاجأة السلام المسبوق بالقسم فــ”يهمهم”، ويتمتم، ويتعثر في خطواته، والظن الحسن يوحي بأن كلماته المتلعثمة -غير المسموعة- هي رد للسلام حتي ولو بينه وبين نفسه، أما أخرهم صنفًا وأسواءهم الذين لا يحفلون لا بالسلام ولا بصاحبه، بل قد يغتابونه بــ”سبة” أنه غير السلام الكثير ما “عندو شغلة”.
# وبالرغم من هذا الحال “المائل”؛ في تلك المواقف المتشابهة، والعديدة، والمتكررة، فكثيرًا ما كنت أرجوه أن يلقي سنة التحية فقط -وبلا تشدد منه في انتظار ردها- ومن لم يرد فليدعه وشأنه، وإن كان واجب الفرض (فردوها)، أما واجب الفرض الأوجب (أو بأحسن منها).
# ومؤكدًا له أنه ما من ثمة داع للاستهجان أو الانكار، فمثل هذا السلام -أدام الله عزه وأبقاه- عند هؤلاء المضيعون للسنة الشريفة- هدانا الله وهداهم- صار مستهجنًا، وغريبًا صدقًا لما قاله الرسول الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه :(بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا، كما بدأ فطوبي للغرباء).
# وأجزم في ما أجزم أن ما يدعوهم لعدم الانتباه ولو سمعيًا إلي سلامه؛ انقطاع تداوله بينهم لفظيًا، فـ”عبارات” السلام الحار، والمتعارف عليه بينهم؛ دومًا ما تأتي-إن جاز التعبير- بـ”وين يا” مصحوبة بالشتم، واللعن، مرضيٌ عنها، ومستحدثٌ فيها كل يوم من قاذع الألفاظ مستقبحه، ومستقذره.
# وليس هذا فحسب بل هي لا “تحلو” أن تقال؛ الا وسط تبادل الضحكات المجلجلة، والصفعات المدوية (وينك يا “جزمة”، ويا “تافه” وين ما ظاهر، “خش” “حضن” يا “معفن) …إلخ)، فهؤلاء هم أصحاب إحياء سنة استنكار الإلقاء، ودعاة اقامة فريضة تجاهل الرد.
# أبعد هذا أفي عدم سلامهم نستغرب؟!!! فدع عنك بعده أي استغراب إذا ما اُشتهر بيننا –قسم منهم- بـ”خيانة” الأمانة، وهدر المروءة، وافتقاد الشهامة، وميوعة كـ”أشباه” الرجال ولا رجال، و.. و.. إذ ليس بمستعجب أن من قصرت به همته عن فضل القول أن تكون -بلا شك- عن فضل الفعل أقصر، وقاصرةٌ، ومقصرةٌ.
# إذن لا عجب أن يصير غاية ما يدعو للعجب -عند الكبار- مبادرة طفل، أو شاب، بـ”إلقاء” السلام، فمن خلال ردهم الجهوري، والمتحمس، والداعي بـ”البركة” والتوفيق؛ تتيقن تمامًا أنهم يسمعون أمرًا غريبًا، وبدعة عظيمة، فعياذة” بالله فقد صار المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والخير شرًا والشر خيرًا.
# ختامًا وتماشيًا مع موضوع عنوان مقالتنا، (وما أريد أن أخالفكم إلي ما أنهاكم عنه إن أريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله) فكما كان بدؤها يكون ختامها، تصديقًا للهدى النبوي الشريف: (فليست الأولي بأحق من الآخرة)، فسلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات.
هذا وبالله التوفيق. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!