يُمنع منعًا باتًا

بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
mutsdal55@gmail.com

يُمنع منعًا باتًا

# في أحد بيوت الله يستوقف المرء “برواز” فخم يزين جهة القبلة بالقرب من المحراب ويشابه تمامًا الإهداءات المتداولة بين الناس عند الاحتفاء والاحتفال في مناسبات التكريم المختلفة.
# أول ما تذهب إليه في ما يختص بمضمونه وبتوقع مؤكد -قبل الوصول إليه- أنه لا يتجاوز واحدة من إثنتين إما آية من كتاب الله الكريم أو حديث نبوي شريف يعليان ويعظمان من شأن الصلاة ومساجد الله.
# لكن عند قراءاته عن قرب يتضح أنه تحذير شديد اللهجة فحواه: (ننوه الأخوة المصلين أنه يمنع منعًا باتًا الوقوف أمام المنبر ومخاطبة المصلين إلا بإذن من لجنة المسجد).
# ومما يلاحظ في عبارة المنع البات السابقة أنه ودون الكلمات الأخرى دونت (يمنع منعًا) باللون الأحمر وذلك لمزيد من التأكيد على أنها خطًا أحمر لا يمكن التجاوز فيه بأي حال من الأحوال إلا بإذن من لجنة المسجد.
# المؤسف في هذا “البرواز” الذي يتلألأ زجاجه كتحفة جميلة شكلًا لم يكن متوقعًا أن تحمل مضامينه توثيقًا سيئًا وتوقيعًا أسودًا فحقًا من بين الورد يخرج الشوك لكن ليت شكله -وإن كان اضطرارًا- شوكًا لكن فلنخرج معانيه وردًا.
# فهل مكان الوعظ والإرشاد يحتاج إلى منح الإذن من أحد؟ لنتحدث فيه التزامًا بالتوجيه النبوي الشريف: (بلغوا عني ولو آية) وكل ذلك خاصة إذا كان المتحدث حافظًا وعالمًا وفقيهًا.
# فيا أيتها اللجنة الموقرة ألا تخشون أن يحاجكم أحد يوم القيامة بأني أردت النصح والتذكير بتبليغ آية لكن-وفقًا لهذا التوجيه- منعتني وحالت دوني ودون ذلك لجنة المسجد المكونة من “فلان” و”علان” و… و…
# لأنه ومن خلال المواقف المشهودة قولًا أو بيانًا بالعمل داخل هذا المسجد كأنما هذه اللجنة -بقصد أو بغير قصد- تمنع جهة محددة من الوقوف والتحدث والتذكير من أمام منبرها -عفوًا للكلمة- فمنابر المساجد لا تخص جماعة أو لجنة بعينها.
# وعلى ضوء ذلك فكأنها هي في هذا التعميم مقتدية بطريقة غير مباشرة بالمقولة الخاطئة (الشر يعم) والتي لا يصح ولا يصلح استخدامها -ولو فهمًا- في مثل هذه الأماكن الطاهرة مكان الخير والخيرات فقط والتي لا ينبغي -أن ولم ولن- يخرج منها شر قط.
# وإن كانت بتلكم البدعة السيئة والايقاف السيئ تمنعنا أيضًا هنا من الخير الذي يعم ولا يخص سواءً من هذه الجهة الممنوعة أو غيرها فليتنا نتفكر ونتدبر ولا نطلق القول -من الأوامر والزواجر- على عواهنه.
# ليس إنتقاصًا ولا تقليلاً للأدوار التي تقومون بها وتقبلها الله منكم بميزان الإحسان لكن هل جمع وحفظ أموال التبرعات وتوفير الماء والإضاءة و”الفرش” والمتابعة الدورية لصيانة كل لوازم “التشغيل” فيه يعطيكم مثل هذا الحق المنعي.
# لأنه من الملاحظ في عضوية اللجنة المتحكمة في تحديد من يحق له التحدث ليس هناك أحدًا من بينها بحافظ أو فقيه حتى يمنح مثل هذا التفويض بإجازة من يحق له التحدث ومن لا يحق له ذلك إلا إذا كان همها الأول والأخير منع جهة محددة كما أسلفت.
# لكنها استحيت من تسمية هذه الجماعة مباشرة لأنها مختلفة معها في مواقف كثيرة لكن بالرغم من ذلك فلا يصح منع أحد من ارشاد الناس في المنابر طالما هو يسترشد -بطريقة صحيحة- بكتاب الله وسنة رسوله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
# للأسف ما يستخلص من مثل هذا التحذير بأنه صارت المساجد حكرًا لمذهب أو طائفة أو فرقة بعينها لتصير وفق تعاملنا هذا -خاصة في الدروس لا الصلوات ومن الأخيرة لسنا ببعيدين كثيرًا- ككنائس المسيحين هذه لطائفة “الكاثوليك” وتلك لـ”البروتستانت”.
# الشيء بالشيء يذكر ذكر أحدهم أنه تقدم لإلقاء درس بعد أداء فريضة الصلاة لكنه فوجئ بأن أحدهم شرع في إغلاق المكيفات والمراوح وإطفاء مكبر الصوت وإن لم يبادر بالتحدث معه ربما طالبه بالخروج ليغلق النوافذ والأبواب.
# فخاطبه أنه لا يحق لك فعل ما قمت به لأنني لست بزائر لك في “ديوان بيتك” حتى تمنعني أو تطردني بل أنا وأنت في بيت من بيوت الله فكأنما ألقم حجرًا فترك كل ما كان يفعله وخرج مغاضبًا.
# متى نتعلم أن أدب الخلاف والاختلاف يصلح ود القضايا ولا يفسدها ولنا أسوة حسنة في بعض أصحاب المذاهب مثلًا حين ما كان أحدهم يختلف مع الأخر في فرعية ما في الصلاة لكن عندما يصلي خلفه أو في منطقة يشتهر فيها مذهبه يقتدي بهديه في ذلك.
# إذًا ليته في حال الاختلاف يكون الرد ومقارعة الحجة بالحجة لا بالمنع البات أو الطرد بالإغلاق أو توجيه المصلين بالإشارة من وراء الأبواب بالتلويح عالياً بيدٍ غاضبةٍ وبصوتٍ خفي بضرورة المغادرة وعدم الاستماع حتى يتركونه يتحدث لنفسه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلًا
# البعض يستجيب لمثل هذه الأوامر الرعناء بينما يستحي أو يرفض البعض الأخر المغادرة فلا تدعوا الناس للانفضاض من مثل هذه المجالس التي جاء فيها في السنة الشريفة: (ما أجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم الا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)).
# سائلين الله الهداية والتوفيق والنجاة لجميع المسلمين والمسلمين والمؤمنين والمؤمنات وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه. آمين يا رب العالمين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.

2 thoughts on “يُمنع منعًا باتًا

  1. لا شيئ أصح من هذه العبارة (يمنع منعا باتا إلا بإذن من لجنة المسجد.
    فكم من مستسهلٍ للحديث في أمر الدين بلا علم و لا فقه ؟
    و كم من متنطع يتصدى للحديث وفق ما يراه حلالا و حراما و خطأ و صوابا بحسب رؤيته التي لم تبنى على العلم بل على رؤاه التي لم يصقلها علم و لا جودها أدب الحديث؟
    و كم من مكفر و مبدع و مشرِّك (براءٍ مشددة مكسورة) يمكن ان يتتلتح في المايك ليسب كل الامة المحمدية و لا يستثني إلا ذاته و شيطانه ؟

    فالصواب هو ما إتخذته لجنة المسجد و ليتها اضافت إليه (إلا بإذن من إدارة المسجد بعد الإطلاع على عنوان الدرس و خطوطه العامة و الإستيثاق من تأهيل المتحدث، و للجنة الحق في منح الإذن او حجبه و يكون قرارها نهائيا، و اللجنة غير ملزمة بتقديم مبررات لحجب الإذن).

    1. تكرم في الدارين أخي العزيز أ. حسن الياس
      وشاكر للرقي والتهذيب والذي هو ديدنكم ومن طبعكم أصلًا بانكم لم تقولوا العبارة خطأ بل أضفت لها جمالًا بأن الأصح منها كذا وكل ما ذكرته في مثالك على أحدهم من تجاوزات فمثل هذا يمنع من الحديث لكن الإشكالية التي نحن بصدد تناولها عدم السماح للأخر المتعلم الفقيه المهذب في عبارات لسانه إلا إننا نختلف معه فقط من حيث المذهب وعليه فيتم حرمانه. يكون الأمر بالجد لمراجعة ووقفة وتصحيح.
      وتقبل ودي وتقديري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!