مجـاملــون ولكــن

بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
Mutsdal55@gmail.com
مجـاملــون ولكــن
# مما لا شك فيه أننا أكثر شعوب أهل الأرض قاطبة تحكمهم وتتحكم فيهم عادات وأعراف وأدبيات المجاملة المجتمعية حيث أنها تسود في كافة أشكال تعاملاتنا الحياتية المختلفة وبلا استثناء. ويدور الناس في فلكها أين ما دارت.
# وإذا ما نادتهم -أي المجاملة- أن هلموا إلى هنا تدافعوا إليها -بإصرار كبير- كإجابة الفراش للسقوط في النار وإما إذا ما انتفت وجودًا في أي موضع كان فروا منه -وهم لا يلوون على أحد- كفرار الصحيح من المجذوم.
# وهذه المجاملات الاجتماعية هي –في الغالب- تبدو للناظر أنها تمارس وكأنها مجرد عادة لا أكثر ولا أقل؛ لكنها تُصان وترد بحذافيرها ويُؤتى ويلتزم بها بدرجة تكاد تصل إلى -إذا جازت العبارة- لقدسية الالتزام بالعبادة.
# لأن الهم الكبير فيها أولًا وأخيرًا ومن غالب الأفراد الاتيان بها من أجل أو بسبب خشية الناس إلا من رحم ربي وقليل ماهم؛ من يحرصون بصدق خفي بأن تبذل منهم هذه التصرفات والأفعال الجميلة ابتغاء أجر الأخرة من رب العباد ولا يلقون أي بال أو حساب لرياء وأجر الدنيا الفاني من العباد.
# ويبدو كل هذا الرهق لأنفسنا ماديًا أو جسديًا أو فكريًا أو الثلاثة مجتمعة في حال مشاركة الأفراح أو مقاسمة الاتراح أو تبادل زيارة الأرحام أو التوسط والجودية لحل المشكلات أو… أو… وجميعها نقوم بها من أجل إرضاء فئة من الناس إما لرد دين مجاملة سابق أو لابتدار تعامل مجاملاتي جديد أو لمجرد الظهور بمقام الخيرية الشوفونية.
# وهذا الرياء المكلف للجيوب والقلوب والألباب قد نضرب له أكباد إبل البصات السياحية والمواصلات الداخلية ترحالًا ما بين ولاية وأخرى أو بين مدينة وأخرى هذا غير إن دعا الحال الاستعداد والتطوع بضرب أكباد الأقدام.
# والسيء بل الأسوأ في الأمر كله أنه ليست هناك مساحة محددة للمجاملة المتصنعة والمتكلفة هذه فإلى جانب نطاق الأسر والأهل هي تمتد إلى الأصدقاء والمعارف وزملاء الدراسة والعمل لتكون أثارها السلبية أكثر من الايجابية طالما أنها تقوم على تلك الموازيين والمعايير الخاطئة.
# ففي الاجمال غالبًا ما تحدث شروخًا في علاقاتنا الاسرية وقطعًا لأرحامنا أما في العمل فقد تؤدي إلى تعطيله أو عدم تطوره ومع الأصدقاء مثلًا فقد توصلنا إلى درجة الإستمساك بالذي هو أدنى جليس السوء وتفضيله على الذي هو خير الجليس الصالح.
# وسوف يظل يحدث كل ذلك باستمرار ما لم نتعرف على الواجب وأداءه بالصورة الصحيحة والسليمة والمخلصة لكن طالما أننا نؤمن بها على هدي كن مجاملًا ترى الوجود مجاملًا لا على رؤية كن جميلًا ترى الوجود جميلًا فستظل ساقية السوء هذه مدورة فينا.
# وكي ما يحدث التغيير في هذه النظرة والمعاملة الخاطئة في مجاملاتنا فليكن ضابطنا الأخلاقي فيها أنها جميلة في حال أنها طبع والتزام أخلاقي لا يريد جزاءً ولا شكورًا وقبيحة جدًا في حال أنها قامت على شفا جرف هار مستندة على أن الوصل فيها من أجل المكافأة لا صلة لمن قطعك، ولا إعطاء لمن حرمك، ولا إنصافًا لمن ظلمك ولا … ولا …
# أخيرًا وليس آخرًا أوصيكم ونفسي ولكي لا تكون هذه القيم الموروثة والمكتسبة والتي هي عندنا من جلائل ونفائس الأعمال العظيمة مبني والكبيرة معني والجميلة مظهرًا و النظيفة جوهرًا فمن أجل ألا تكون مجرد تظاهر وتفاخر ورياء وإضاعتها سدى كهباء منثور أو كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
# عليه فلنحرص ولنتسابق إلى حفظها وعدم تضييعها بأن نبنيها ونحصنها بقيم الصدق والايثار والتضحية والوفاء والاخلاص و… و… سائلين الله تعالى أن يرزقنا الموافقة ما بين جهرنا وسرنا وظاهرنا وباطننا. آمين يارب العالمين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.