يا أشـبــاه الشـيــوخ ولا شـيـــوخ

0
يا أشـبــاه الشـيــوخ ولا شـيـــوخ

بسم الله الرحمن الرحيم
جـدير بالذكـر
د. معتز صديق الحسن
Mutsdal55@gmail.com

يا أشـبــاه الشـيــوخ ولا شـيـــوخ

# تفشت في غالبية مناطق السودان خاصة في الريفية وشبه الريفية منها بل وصلت حتى إلى مراكز المدن الكبرى ظاهرة لا تمت بأدنى صلة لمنهج وروح تعاليم ديننا الاسلامي السمحاء وتتمثل هذه الظاهرة -المتاجرة باسم الدين- في ارتفاع أصوات تدعي أنها من الشيوخ ورجال الدين “الحقيقيون” لدرجة الامتنان والافتخار والبوبار بذلك على طريقة اليهود (المغضوب عليهم) والنصارى (الضالين) بأنهم هم فقط أبناء الله وأحباؤه.
# فيا أيها الدخلاء والأدعياء على المشيخة الدينية -إن جازت التسمية- إن الشيخ المتدين حقًا والمقتدي والمقتفي لهدي شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله لا يمن بكرامات الله عليه وعلى آبائه من قبله بل تجده يتوارى عن الأنظار خشية الرياء أن يعلم الناس به أو بها؛ لأنها سر بينه وبين ربه ولا يحب أن يطلع عليه أي أحد مهما كان.
# ودوننا في ذلكم قصة التابعي أويس القرني مع الصحابيين الجليلين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما واللذان حرصا على طلب الدعاء منه وفقًا للتوجيه النبوي الشريف ففعل بعد أن قال في ما معناه أأدعو لكما وأنتما صاحبي رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم طلب منهما أن يكتما خبره وغير موضعه لكيلا يتكالب عليه الناس.
# لكن غالب مُدّعي أصحاب كرامات هذا الزمان والمنادى بها في أسواق العلانية والظهور يذهبون إلى عكس ما ورد في القصة السابقة وذلك بعد المناداة جهرًا بكراماتهم يلزمون الناس بالتبرك بها والتحدث عنها والنشر لهذه الكرامات الموروثة منهم أو من أجدادهم واحترام وتقديس كل من ينتسب لصاحب هذه الكرامة في شجرة نسبه القريبة والبعيدة؛ آبائه واجداده وأمهاته وجداته وإن علوا وأبنائه وبناته وأبناء أبناء أبنائه وبناته وإن سفلوا وحتى إخوانه وأخواته وإن علوا وإن سفلوا وإن كانوا من الضالين المفسدين.
# ليتوارثوا هذه المناصب الدينية القائمة على حب وجمع الدنيا على نطاق الأسرة الواحدة والضيقة وإن صادف من يتم تقليده هذه المنصب -المنصوب للنصب والاحتيال على بسطاء الناس- أفسد فسادًا بينًا لا يتناسب مع هذه الدرجة الدينية بحسب زعمهم؛ لكن على الرغم من كل ذلك يُؤتى به كأنما الأمر متعلق بالمصلحة الدنيوية الخاصة لا المصلحة الدينية الخالصة لوجه الله تعالى.
# وما يثير الاستغراب في هذه الميراث الجديد أنه نعم من حق آبائكم توريثكم الذهب والفضة وعقارات العمارات الشاهقة والقصور المشيّدة والأراضي والبساتين الزراعية والعبيد والجواري وحمر الدواب والأنعام وأساطيل السيارات و… و… لكن كيف يورّثونكم كرامات الدين وقيمه في كل الأحوال والأوقات والبعض منكم قد يؤتي به من وسط جلسات لعب الميسر والقُمار ومنادمة كؤوس الخمور وأحضان المومسات ونوادي المنكر … إلخ. لتولي المنصب الديني هذا -عفوًا المنصب الدنيوي- والمتهافت عليه من قبلكم جميعًا لدرجة الشحناء والبغضاء والقطيعة و… و…
# ومن المفارقات المقصودة منهم وذلك للاستتار خلفها بصورة أكبر ولتضييع آثار جرائمهم المخالفة للعقيدة الصحيحة والسليمة من إدعاء لعلم الغيب ومعرفة لمكان الشيء الضائع أو المسروق والتعجيل بالشفاء ومنح الذرية وسكوتهم ورضاهم على من يحلفون بأسمائهم وأسماء آبائهم لدرجة أن من يتبعونهم يصدّقونك إذا حلفت بالشيخ ويكذّبونك إذا حلفت بالله ليتقاسم اتباعهم هذا القسم بغير الله وغير الجائز كون أن الرجال يحلفون بالشيخ وحياته والنساء يحلفن به وبزوجته مصداقُا لقول الله تعالى: (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالأخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون).
# وكلها أقوال وأعمال لا تكون ولا تجوز لغير الله تعالي إلا أنهم لا يتوانون في تبني بعض الأعمال الجليلة كما وضحنا عاليه كستار ليس إلا وهي في ظاهرها لخدمة الناس من تربية أيتام وتعليمهم وإبداء الاهتمام برعاية مصالح الناس العامة لكن في باطنها تصب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لتحسين المزيد من مصالحهم وخدماتهم وأعمالهم و… و…
# وكل هذا الترف الدنيوي العاجل يستحلونه إذا ما تحدثت معهم بمبررات واهية أن جده فعل كذا وكذا ليكونوا في الغالب هم وأسرهم لا يعملون فهم مرفهون منعمون متبطلون لا يأكلون من عمل أيديهم خاصة وأنهم قد استرقوا واستعبدوا من يلتفون حولهم من اتباعهم في كل أعمال شؤون بيوتهم الداخلية وشؤون أعمالهم الخارجية ليخدمهم كبار السن منهم وابنائهم حتى وبلا مقابل وقد يكون بعض الآباء في حاجة مآسة لجهود ابنائهم الموهوبون لهم لخدمتهم بالسنوات الطوال.
# إذن وبحسب ما يصدر منهم من أفعال قبيحة سواءً أكانت من سابق أو لاحق تتأكد أن الأمر برمته ليس هو كرامة من الرحمن كما يزعمون ويتوهمون بل إنها إهانة واستدراج من الشيطان وقبله فالفتى من يقول سرًا هذه كرامتي وليس من يقول جهرًا هذه كرامة آبائي وأجدادي والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئًا يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئًا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئًا).
# خلاصة القول أن من يدعي المشيخة الدينية وينّصب نفسه شيخًا فيها إذا رأيته يحب أن يُعرف ويُفاخر بذلك ويسعى للشهرة والظهور فأنزع منه وبلا تردد هذا اللقب وإن كان يدعي شيخًا فمثل هذا يعمل لفائدة نفسه وأسرته. كما أنه عمومًا لن ينفعك في آخرتك مجرد الاتباع الأعمى له بلا عمل خالص لوجه الله فالشيخ الحقيقي والمقتدى به هو من يكون حادب على مصلحة تعليم تلامذته الإيمان كمنهج وسلوك بصحيح الأقوال والأعمال الصالحات. والله من وراء القصد.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!