عمـى الإشـارات

بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
Mutsdal55@gmail.com
عمـى الإشـارات
*من المتفق عليه -بكل لغات العالم- الألوان الثلاثة لإشارة المرور الضوئية، فــ”الأحمر” يعني التوقف مكانك وعدم التجاوز، وإلاّ سوف تعرض نفسك، وغيرك للخطر؛ على أن تبقى على أهبة الاستعداد؛ عندما تلمح “الأصفر”. ثم الانطلاق بأمن، وأمان وقت ما يسمح “الأخضر”.
# هذه الاشارات الحسية من المفروض؛ أن تنطبق تمامًا على عالمنا المعنوي -إذا جاز التشبيه- لكنها تتغير في كل شؤوننا الحياتية؛ لنتجاوز فيها حتى وإن كانت الإشارة حمراء “فاقع لونها” تهلك العابرين، وما من أدنى استعداد للتنازل بالتحرك في الوقت المحدد؛ فالأمر إذًا متعمد، وليس عمى في الألوان؛ بل إنه تعامي عن الاشارات، والموجهات الواجب اتباعها.
# ويصدق هذا إذا سلطنا تلك -الأضواء الثلاثة- على كافة عباداتنا، ومعاملاتنا، وتعاملاتنا. فمثلًا إذا ما بدأنا بصلاتنا التي إن صلحت صلح سائر عملنا وإن فسدت فسد سائر عملنا وهى عماد الدين لا نستعد لها ونتكاسل عن أداءها في “كتابها الموقوت” هذا غير الذين يتجاوزونها -عياذًا بالله- في كل حياتهم.
# وكذلك إذا أخطأنا إلى درجة أن يهجر الأخ لأخيه، يجب أن لا يتجاوز ثلاثة ليال؛ لكنّا نتجاوزها فجورًا في الخصومة إلى سنين عددًا، وعندما تسنح الفرصة للانطلاق نحو التسامح؛ نتوقف مكاننا ونقبض بيد من حديد على “فرامل” التمادي، وتأخذنا العزة بالإثم، ونضيّع فرصة (فخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، ونفرح أيما فرح؛ بل قد نتفاخر بهذا التضييع الظالم للنفس.
# وإذا مررنا بأعراض، وأموال الناس ننتهكهما ونتوغل فيهما بكل الشر، ولا نراعي فيهما إلاً ولا ذمة. ففي الأعراض (غيبة، ونميمة، وبهتان، وافك) حيث لا ذكر حسن، ولا صدق. وفي الأموال (سرقات، وخيانة، وتطفيف،) حيث لا حفظ ومراعاة للأمانة.
# وفي اكتساب المال لم يعد يهم مصدره؛ أمن حلال هو، أم من حرام. فالمهم اكتناز الكثير منه، وبأي وسيلة كانت فالغاية (المال) تبرر الوسيلة (الحرام)، وبقدر ما معك منه تكن قيمتك؛ معاك قرش تسوى قرش، ما معاك قرش لا تسوى شيئًا. في حين الصحيح عندك أخلاق تسوى انسان، ما عندك أخلاق لا تسوى شيئًا.
# أما من يولي منصب، أو يرعى مال عام لخدمة الناس، يستغلهما لخدمة منافعه الشخصية، وخدمة اقربائه. أما البقية فهم غرباء، وليسوا بأصحاب حق. فيبيت كل عمره شبعان حد التخمة بتحقيق مصالحه الخاصة، على حساب تجويع مصالح الآخرين العامة، متجاهلًا في ذلك أنه خادم لا مخدوم، وأن الأمر محنة تكليف لا منحة تشريف.
# عمومًا من كل هذه الصور الاشاراتية المقلوبة فكأنما الاستعداد لعمل الخير وفعله أي الاشارتين الصفراء، والخضراء عندنا معطلتين تمامًا؛ بينما نسمح للإشارة الحمراء، وبأفعالنا الشريرة دومًا؛ أن تكون متوهجة ومستمرة الاضاءة، في حين يجب أن تنعكس الأفعال للأحسن، وبالتالي ألوان الاشارات من الأحمر للأخضر، وعلي ضوء هذه التوجهات الخيّرة النيّرة. غيّروا اشارات أفعالكم يهدينا ويهديكم الله.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.