لا إكـــراه

بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
mutsdal55@gmail.com

لا إكـــراه

# يلاحظ في المجتمعات عامة والمجتمع السودانى خاصة؛ إصرار بعض الأشخاص المتنطعين على دفع الأخرين دفعًا؛ للاقتناع بحجة أفكارهم التى يعتنقونها، ولفظ ما سواها؛ لدرجة تعنيف أصحاب الرأي الأخر المخالف؛ دون منحهم ولو أقل الحقوق المكفولة -في ذلك- عرفًا أو قانونًا؛ حق الاستماع إليهم، وإلى (دفوعاتهم).
# وأقل انواع التعنيف المبذولة عندهم هي اللفظية؛ -وإن كان جرح اللسان أشد من جرح السنان لا يلتئم- فيهدونهم من شتائم القذف، والاساءة، والتجريح لا للأفكار فقط، وإنما لنسب الأشخاص؛ وإن دعا الحال فهم جاهزون؛ للتعنيفات البدنية من الصفع، واللكم، والتورط -بلا مبالاة- في ازهاق النفس؛ التي حرم الله إلا بالحق.
# ويمارسون هذه الطريقة الإقناعية المنفرة -المفروضة غصبًا- والمثيرة للاشمئزاز ؛بقلوب فظة تؤدي لا محالة لانفضاض الناس من حولهم؛ إذ لا جدال لديهم بالتي هي أحسن. كأنهم ما سمعوا، أو عمدًا يتغافلون عن حكمة الإمام الشافعي رحمه الله: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).
# والأسهل عندهم هو التشدق؛ بحق الحرية ممارسة عندما تكون لصالحهم، وما أصعبها من منحة أوان وجوبها عليهم فيشحون بها مشاحة أكثر منها “لبن العصفور” وإن بدرت على حين غفلة من بعضهم مثقال ذرة منها سرعان ما ينكصون عنها بضربها عرض الحائط دون مراعاة إبدًا لحدودها التي تنتهي عندما تبدأ أفكار الآخرين.
# إذًا عند طرح بضاعتهم في سوق الأفكار لا يتوخون الصدق في ما يسمى بالسعي للتنافس الشريف، وتكامل الرؤى، (وأن نصف الرأي عند الأخ) فكل ما صدرت وتصدر من بضائع الغير؛ فحكمهم المتيقن عليها أنها مزجاة لرسوخ ايمانهم دومًا بمنهج الضدية؛ بمعنى من ليس معنا، فنحن ضده؛ قبل أن يكون ضدنا.
# وتماشيًا مع السياق السابق؛ نشير إلى أن الحرية المفتوحة بلا أية ضوابط إنما هي الفوضى بعينها، والمغلقة بلا أي متنفس مسؤول هي الاسترقاق، والعبودية؛ فلا لاستعباد الأحرار كما جاء في مقولة الفاروق عمر رضي الله عنه: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا)؛ إذًا نريد الحرية المسؤولة؛ التي تمنح الحقوق، وفي الوقت نفسه؛ تطالب بالواجبات.
# وتوضيحًا لأضرار الحريتين السابقتين؛ ففيهما أي المفتوحة، والمغلقة واللتين عندي بدرجة واحدة من الإكراه؛ إذا استصحبنا الوقائع؛ فمثلًا في التدين، كان الحصاد في كليهما إما الألحاد، أو الإشراك، وفي الاقتصاد ربًا بتمليك الفرد، أو الجماعة، وفي الأخلاق، رهبانية مبتدعة غير مكتوبة عليهم أو صولًا لأندية العراة وعلى ذلك قس.
# مجمل القول الجميل؛ علام الإكراه وفي قمة الحرية العقلية (العقيدة الدينية)؛ تتضح حرية الإختيار، والتخيير أولًا ثم يأتي من بعدها؛ توضيح الطريق المستقيم للناس كافة. ومصداق ذلك في قوله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم). سورة البقرة ــ الآية (256).
# صادق الأمنيات؛ ألا نكون (أنت وأنا) من المذكورين في بداية المقال؛ أولئك المحبون بأنانية مفرطة لأفكارهم، والكارهون بتفريط لغيرها؛ كما نشير لضرورة الإيمان بمبادئ التشديد على التخيير وذلك بأن كل هذه الكلمات والمعاني غير مفروضة على أحد؛ فمن شاء فليوافق عليها، ومن شاء فليرفضها). سائلين الله؛ أن يوفق الجميع لسديد الآراء. آمين يا رب العالمين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!