ويـهــزمـنــا البـعــوض

0
ويـهــزمـنــا البـعــوض

بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
Mutsdal55@gmail.com

ويـهــزمـنــا البـعــوض

# ما أن تلوح شمس كل يوم بالغياب ويرخي الليل سواده في كل الأرجاء فحينها لن تسمع إلا طنين جيوش البعوض الزاحفة -جماعات لا فرادى- معلنةً بداية حرب مسائية جديدة لا تعترف فيها بأدنى شرف الحروب, وذلك بوضع الأسلحة ليلًا ولا تحمل إلا نهارًا.
# كمية الدماء الملطخة على الفراش والغطاء والجسد وحتى الناموسية تؤكد على خوض حرب ضروس والخاسر فيها كل مساء -من دمه وراحته- طرف واحد هو الإنسان لأنها حرب (جبانة) من جانبها -أي البعوضة- التي لا تهاجمه إلا وهو أعزل من أي سلاح وبعد أن يسقط عنوة فريسة لسلطان النوم بسبب الأرق والسهر.
# هذه الهزائم منها سواءً الثابتة أو المضمونة في كل المساءات -السابقة أو اللاحقة- تجعلك تفكر جادًا في الفرار والخروج من المنزل وعدم العودة إليه إلا وأنت ترفع الراية البيضاء مستسلمًا لمحاولات استجداء نوم العافية والتي -من المرجح- أنها تبوء بالفشل وتحصد بدلًا منها السهر والأرق والألم والمرض.
# كما أنه ليس هناك ما يمنع مهاجمتها لك وأنت مستيقظ فتطعنك بإبر حادة جارحة فلا تدع لك يدًا ولا رجلًا ولا قفًا ولا وجهًا، أما قمة الهجوم عند النوم عندما تمص الدماء حد الارتواء فتفزع منه متأوهًا وحالة المواساة التي -تزيد الدم بلة- امتداد يدك لا شعوريًا لحك ألم الجلد وهنا (لا ينفع حك جلدك وإن كان بظفرك).
# فكل أسلحة الدواء والمكافحة لم يعد يجدي معها حتى سلاح الناموسيات القائم على قاعدة دعيني في حالي وسأدعك في حالك، فقد صار أكثر ضررًا وإضرارًا وفتكًا إذ تجدها داخلها ويحيرك كيفية التكتيك المتبع منها للتسلل والدخول فيها وبكميات مهولة وفي مساحة ضيقة، لتنتاشك فيها كتيبة الاقتحام هذه حتى الصباح.
# وإمعانًا في أذيتها وتشفيها فهذه الكتيبة الانتحارية كأنها تسقط من حساباتها عمدًا البحث عن سبيل للخروج والمغادرة لتظل تحاصرك بغرس أنيابها الحادة حد ارتوائها القاتل، وذلك عندما تتضح لك صباحًا شراهتها للدماء بمشاهدة المتفجر منها أو تلمح الخزانات التي في أسفلها وهي ممتلئة على آخرها باللون الأحمر.
#المضحك المبكي أنه في لحظة الكتابة صباحًا لهذه الأسطر وجود واحدة من بقايا هذه الجيوش محلقة جيئة وذهابا وبإصرار غريب مانعة وصول اليد الممسكة بالقلم لتضع حبره على الورقة، كأنما هي محتجة على محاولة إيصال صوتنا المبحوح من السهر والمرض، إضافة لمناداته بضرورة المكافحة والمحاربة لها، فهل نبشّرها بأنه (لا حياة لمن ننادي)؟
# فإذا أردنا الانتصار عليها ــ بحق وحقيقة ــ فهل يعجزنا تجفيف برك المياه الراكدة ردمًا بالتراب أو رشًا بالزيوت ــ كما في سنة أولى مكافحة ــ أو محاربة أطوارها برشها بالمبيدات القاتلة؟ لماذا هذا الاستسلام المهين وبالسنوات سواءً في صيف قائظ أو شتاء قارس لكل هذه الخسائر اليومية في دمائنا ونومنا وصحتنا وأموالنا و… و…
# بكل الأسف إذا لم نستطع محاربة جيوش البعوض والذباب والعقارب وهوام الحشرات … الخ التي صارت جميعها تغزونا في كل الأوقات متساويًا عندها الليل والنهار وتكلفنا الأرواح، فبالله عليكم ماذا نستطيع أن نحارب وعلى من -عفوًا- أقصد على ماذا سوف ننتصر ومتى سوف يكون ذلك؟ والحال هكذا غدًا لناظره (بعيد).
هذا والله المستعان.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!