جـلســة تـعــارف .. إنـهــم أبـنــاء عــم

0
جـلســة تـعــارف .. إنـهــم أبـنــاء عــم

بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
mutsdal55@gmail.com

جـلســة تـعــارف .. إنـهــم أبـنــاء عــم

# صارت أحداث الحياة اليومية أقرب ما تكون للمسلسلات الدرامية المشوّقة –إن جاز التشبيه- نتابع حلقاتها بكل الاهتمام فما نصادفه أو نشاهده أو نسمع به يفوق أكثر الحبكات التي تشد الأعصاب وتحبس الأنفاس والحال هكذا لا يبدو أنه توجد فيها ما يعرف بالحلقة الأخيرة بل في كل يوم حلقات جديدة أكثر اثارة وتشويقًا.
# ما قادني للمقدمة أعلاه سماعي -قبل أسبوع- لسيدة تحكي أنها في زيارتها لزوجة عمها المريضة -والتي في أثناء كتابة المقال انتقلت للدار الأخرة عليها من الله الرحمة والرضوان- تفاجأت -هذه السيدة- بأنها لأول مرة وجهًا لوجه مع إبن عمها في بيته بالرغم من تواصلها معه -بشدة ولدرجة المناكفة- في واحدة من مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة.
# هذه السيدة المتعرفة والمتشرفة -كفاحًا- بإبن عمها يصل عمرها إلى الخمسة وعشرين سنة بينما يقبع هو في منتصف الخمسينات من العمر؛ فالدهشة الكبيرة ليست هنا بل في أثناء مجاذبة أطراف الحديث أكدت أيضًا على أنها لم تحظ حتى اللحظة برؤية شقيقهم (الكبير) أي إبن عمها الأكبر.
# أما الأكثر إدهاشًا وهي تتبادل الحديث معهم: (أن الذي يحدث بيننا من قطع أرحام -غير مقصود- خطأ كبير يجب معالجته وإن تقدمت بنا السنوات) جاء عرضًا ذكر اسم إبن عمها الصغير (45) سنة فزادت دهشتها: (والله “دا كمان” أول مرة أسمع “بيهو” في “أوضتكم دي خليكم من أكون شايفاهو ولا ما شايفاهو”).
# ويتلخص حديثها المؤلم هذا في أنها من جملة أبناء عمها الخمسة هي قبل ذلك شاهدت إثنين منهم فقط -ولو كانت تمنح هنا درجات فهي وهم راسبون- بينما توزيع الثلاثة الباقين -الراسبة فيهم معرفة- فهي تتعرف على أثنين من خلال السماع بأسمائهم فقط بينما ثالثهم لأول مرة تسمع به.
# الملاحظة الواضحة أن جميع المتعارفين في أعمار متقدمة فاحتاجوا إلى هذا العدد الكبير من السنوات ليتصادفوا في جلسة التعارف هذه وما زالت هناك حاجة لجلسات تعارف أخرى مع كبيرهم وصغيرهم (الكبير) أيضًا لكن غير معروف إلى كم سنة تحتاج؟ هذا إذا أمد الله في الآجال فإذا كان هذا حال كبارهم فكيف يكون حال صغارهم بلا شك أنكأ وأمر.
# أهؤلاء هم أبناء العم الذين كانوا حتى وقت قريب (أولى الناس بمعروف الزواج) وفقًا لعبارة (غطي قدحك)؟ فتتم استشارتهم أولًا وإن لم يبدوا رغبة الزواج منهن؛ بعد ذلك يمكن تزوّيجهن للأخرين من الأسرة أو الغرباء؛ الغريب بحسب هذا المعيار لم يكتب لهم مجرد التعرف لأن هذه السيدة متزوجة وكذلك جل أخواتها الأخريات.
# عاتبت السيدة الشابة أبناء عمها بأنهن كن صغارًا وتربين بعيدًا عن البلد لتنقلهن مع والدهن كثيرًا في مناطق السودان المختلفة بحكم عمله آنذاك لكن عند عودته النهائية للبلد قبل عشرين سنة لم يصادفنهم في أية زيارة لهم واجبة ناهيك عن زيارات السلام وتفقد الأحوال.
# فكانت رد إبن العم في إجابة مراوغة ومؤلمة –بل كما يقولون بعذر أقبح من الذنب- (قاعدين نجيكم لما تكون في مناسبة زواج) فهذا الرد يوحي أنهم إذا كانوا فعلًا يأتون إلى مناسباتهم فقط فمن المؤكد أنهم أخر الناس حضورًا ومع بدايات مراسمها مثلهم مثل الضيوف وأولهم خروجًا منها وقبل الضيوف المدعوين.
# أنوه لأن والد هذه السيدة دومًا ما يسعى إلى زيارة أبناء أخيه ومطالبة أولاده وبناته بذلك بدليل أن زيارة أبنته تلك كانت بتوجيه منه لتتفقد زوجة أخيه لكن أبناءها هم البعيدون بينما الأولى زيارتهم هم له وتفقد حاله وأحواله لكنه كثيرًا لا يصادفهم في بيوتهم ومع هذا فهم لا يردون زياراته.
# الغريب أننا في العوالم الافتراضية مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة (الفيس بوك والواتساب) نتواصل بحميمية مع الغرباء يوميًا وبالساعات الطوال وباهتمام يتتبع تفاصيل التفاصيل في حيواتهم العامة والخاصة أيضًا لكنا في واقع الحياة لا نسعى للتعرف على الأقرباء ولو كان في حدود خطوطهم العريضة فقط.
# أخيرًا نسأل -من غير تحجج باجابات الضغوط المعيشية وزحمة الحياة- ما هي الأسباب وراء تباعد الناس بهذه الفجوة والجفوة الكبيرة ولو كانوا أرحامًا؟ بينما وإلى وقت قريب كانت الناس متواصلة بصورة كبيرة وجميلة وليس على مستوى الأهل فحسب وإنما على مستوى الحي بأكمله والجيران والأصدقاء وزملاء العمل و… و…
# فهل من واقع قصتنا هذه وفي زمننا هذا يمكن أن ينتقل الشخص للدار الآخرة دون التعرف على أو رؤية أقربائه؟ ليت أولي الأرحام يصلوا بعضهم بعضًا فهم أولى بذلك ولنا موعظة في هذه القصة فهذه السيدة المريضة توصى أبناءها بذلك بينما تبقى من عمرها ساعات فلنصل أرحامنا فغير معلوم كم متبق من أعمارنا أهي سنوات أم شهور أم أيام أم ساعات أم لحظات معدودات؟ نسأل الله الأعمال الصالحة المتقبلة وحسن الخاتمة. آمين يا رب العالمين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!