“الجـــرورة جــــارة”

بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
mutsdal55@gmail.com
“الجـــرورة جــــارة”
# يغلب على حياة الناس في كل العصور التعامل بالدين وذلك لاحتياجهم واضطرارهم لبعضهم البعض ولأهميته فقد نزلت فيه أطول أية في كتاب الله تأخذ لوحدها حيز الصفحة الكاملة (البقرة) الآية (282) لتتحدث عن ضرورة كتابته والشهادة عليه.
# كما ورد في السنة الشريفة مستعيذًا منه نبينا الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه في دعائه قائلًا: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدين وقهر الرجال).
# فالتعامل به يسيطر على حياة معظم الناس على الرغم من أنه (هم بالليل وذل بالنهار) وعليه يصدق المثل الشعبي القائل: (من حلّ دينه نامت عينه) وبما أنه مذلة بالنهار فممكن أن نضيف على المثل (وأيضًا عزّت عينه).
# لكن في الآونة الأخيرة صار التعامل به سيد الموقف في مأكلنا ومشربنا وملبسنا وحتى في مسكننا ومركبنا إما بديون معلقة لوقت قريب متى ما وجدت النقود تدفع أو بأخرى مؤجلة لعدد من الشهور والسنوات تسدد بأقساط شهرية ثابتة.
# إذًا كلنا صار كأنه يضمن الحياة لسنوات كثيرة يسدد فيها كل مديوناته ومن عجبي أنه لا ينتهي أحدهم من “كمبيالات السلفيات” التي كانت عليه بالسنوات إلا ويشرع في أخرى جديدة وبسنوات أكثر.
# وإن كثرت التحذيرات الرافضة لهذا التعامل المريق لماء الوجه إلا أن الاقدام عليه يأتي اضطرارًا فما يجبر على المر الأمّر منه وما أكثر الطواقي الموضوعة والمنزوعة مؤقتًا من رأس مدين لرأس مدين أخر وإن كانت قناعتنا كبيرة بأن (الدين ما بحل الدين).
# أيضًا ما أكثر العبارات المنقوشة والمحذرة منه إما بصورة لطيفة (التعامل بالدين حرمنا من رؤية الكثيرين وبما إنك عزيز لدينا نتمنى إلا تكون واحد منهم) أو بطريقة خشنة (ممنوع الدين ولو بعدين) أو (أوقفنا التعامل بالدين) أو (البيع نقدًا).
# القراءة لأمثال هذه اللافتات تذكرني بمقولة لأحدهم -وتعجبني جدًا- بأنه ليس الشجاع من يعطي الناس بضائعه وأمواله النقدية ويستردها لاحقًا وإنما الشجاع -بحق وحقيقة- من يسدد الدين ويعمل على إرجاعه كاملًا متى ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
# والحال هكذا فهل من يجد من يعطه دينًا فهو في نعمة -كونه مستطيعًا على الوفاء والايفاء به- فيحسد عليها خاصة وأن بعض الأشخاص لا يجدون من يمد لهم يد الدين عونًا أما بسبب عجزهم عن ارجاع سابقه أو مماطلاتهم العرقوبية أو “استهبالهم” واستسهالهم أخذ حقوق الغير بلا مقابل.
# على كل فمن يقترض المال وينوى سداده أعانه الله على ذلك وسخر له أسباب رزق من حيث لا يحتسب أما من يبيّت للنية السيئة بعدم ارجاعه وقت ما أخذه فليبشر بنزع البركة ومحق الرزق والخراب.
# ندعو من أعطاهم الله أموالًا فائضة عن حاجاتهم ورفاهياتهم بالتجاوز عن المدينين ليتجاوز الله عنهم كما في قصة ذلكم التاجر الموصي غلامه لجمع الديون إن وجدت معسرًا فتجاوز عنه عسى أن يتجاوز الله عنا فتجاوز الله عنه.
# ننوه أن كل ما سبق يتعلق بالدين المادي أما في ما يختص بالدين المعنوي أوصيكم ونفسي بالاّ نبذل شباب العمر في المعاصي والمنكرات والملاهي فليتنا نسدد كل العمر في طاعة الله امتثالًا لأمره بوجودنا حيث ما أمرنا وفقداننا حيث ما نهانا.
# من أجل نيل جائزة الفوز الكبير بأن نكون من بين السبعة الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل الا ظله (وشاب نشأ في عبادة الله) لأننا سوف نسأل عن أيام العمر وشبابه إذ لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ومن بينها عن عمره في ما أفناه وعن جسده في ما أبلاه. هذا والله المستعان.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.