لا قـلــم و”بـزيــل البـلــم”

بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
mutsdal55@gmail.com
لا قـلــم و”بـزيــل البـلــم”
# المثل الشعبي الذي تسير به الركبان وتجتره الذاكرة كثيرًا في مواقف عديدة (القلم ما بزيل بلم) والذي يعني أنه قد تصدر من بعض المتعلمين أقوال وتصرفات “خرقاء” لا تشبه تعليمهم وبعيدة كل البعد عن الصواب ويعضد هذا المثل أيضًا مقولة (ما كل القارئ متعلم).
# على عكس هذا المثل وتلك المقولة دعوني أشير -بكل الفخر- لنماذج مشرقة في مجتمعاتنا القروية البسيطة ظلت سيرتها يضوع منها العطر فيغمر كل الأمكنة برحيق العطاء ونحسب لاستمرار آثارها الطيبة وتمثل الاقتداء بها كأنها من أبواب الصدقة الجارية وإن فارقوا (دار الممر إلي دار المقر).
# بالتحديد أعني أولئك الذين لم يتعلموا (فك الخط) لكنهم قادرون على (فك البلم وازالته) بقدرتهم على التصرف الحكيم بحنكة وتقديرات صائبة تعرف كيف تُبذل لجلب كل الخير لصالح المجتمع وكذلك رد وصد الشر عنه وكأنما أوتيت الحكمة والتي هي الخير الكثير كما في قوله تعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا وما يذكر إلا أولو الألباب) البقرة – (269).
# أمثال هذه الشخصيات الفذة التي يقف عندها المرء بكثير من الاجلال والتقدير على الرغم من عدم الحظوة برؤيتها لكن من كثرة السماع والروايات عنها اكتسبت هذه المكانة التقديرية العالية في نفوس الكثيرين فإذا كان هذا حال السامع فكيف حال من رأى لعلمنا بأفضلية (ليس من رأى كمن سمع).
# إنهم العمد ومشايخ المناطق وزعماء القبائل في فترات الادارات الأهلية ما قبل وأثناء وبعد الحكم الإنجليزي على الرغم من عدم تعلم غالبيتهم إلا أنهم كانوا يسعون إلى تعليم أبناء مناطقهم فوقفوا إلى جانب المطالبات ببناء الخلاوي وتشييد المدارس وذلكم لعقولهم الكبيرة ليمحوا بنور العلم والتعليم ظلام الجهل والأمية.
# ولمسح الآم الأمراض عن الوجوه وحجب آهاتها وأناتها عن المسامع بحثوا بكل جهودهم لتوفير “الحكيم والسماعة والحقنة والسلفة” -بقدر ما هو متيسر وقتها- فجاهدوا لإقامة “الشفخانات” الشامخات في مكانها حتى يومنا هذا مقدمة خدماتها العلاجية في وقت عز فيه المكان والدواء والطبيب المداويا.
# أيضًا كانوا يجمعون الناس كالرماح لتأبى تكسرًا ويرفضون تفرقهم حتى لا يتكسروا آحادًا وذلك صلحًا بين المتخاصمين وجودية بين المتنازعين فكان الناس لا يتجاوزون أحكامهم العادلة المرضّي عنها ولا يصدرون عنها إذًا فهم في كل ما سبق كان يهمهم مداواة أسقام مجتمعاتهم المحسوسة والملموسة سواءً بسواء.
# لا شك عندي أنه في أية مدينة وأية قرية من بقاع السودان المختلفة وجود أمثال هذه الشخصيات (مقنع الكاشفات) و(عشا البايتات) والتي تمثل صمام الأمان للمجتمع فكانوا أيضًا هم معلمو الجاهلين والجاهلات ومداوو المريضين والمريضات ومناصرو المظلومين والمظلومات و… و… وهذا لا ينفي -البتة- عدم وجود غير المتعلمين أو المتعلمين الذين على شاكلة (جاء يكحلها عماها) و(جاب ضقلها يكركب).
# على كل فكل هذا القول لا يقصد منه ذم العلم والمتعلمين بل إن المتعلمين أصحاب الفكر السديد هم القادة الحقيقيون الذين يعملون على تطوير المجتمع بالتنوير والتجديد -والأمثلة في هذا أكثر من أن تحصى وتروى- عليه نأمل أن يكون كل صاحب (قلم قادر على أن يزيل البلم) حتى ينتفي الداعي لترديد المثل مدار حديثنا. وذلك ليس على الله ببعيد.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.