أساتذة الجامعات بين الحقوق والواجبات

0
أساتذة الجامعات بين الحقوق والواجبات

رأي إعلامي

أ/ شاذلي عبدالسلام محمد

أساتذة الجامعات بين الحقوق والواجبات

🔹 في كل مرة تتعالى فيها أصوات أساتذة الجامعات مطالبة بتحسين أوضاعهم ويتكرر المشهد ذاته بيانات متتالية ثم اعتصامات متزايدة ومقاطعات جزئية أو شاملة ثم مفاوضات لا تفضي إلا إلى وعود مؤجلة ومطالبات لا تجد سوى التسويف والمراوغة وبين هذه الدائرة المغلقة التي يبدو أنها بلا نهاية يظل السؤال معلقًا إلى متى ستبقى هذه المطالبات مستمرة؟ وإلى متى سيبقى الأستاذ الجامعي يطالب بحقوقه التي لا جدال في مشروعيتها؟ لكن قبل أن نمضي في طريق هذه الأسئلة المعتادة لماذا لا نجرؤ يومًا على طرح التساؤل من الجهة الأخرى؟ ماذا قدمنا نحن كأساتذة جامعات؟ ما الذي أنجزناه في مقابل هذه الحقوق التي نطالب بها؟….

🔹أحبتي الكرام نحن نعيش في واقع محزن حيث يتخرج طلابنا إلى الفراغ حيث باتت الوظائف اللائقة ترفًا لا يحظى به إلا القلة بينما تنتهي الغالبية إلى الأعمال الهامشية وكأنهم قضوا سنواتهم في قاعات المحاضرات ليصبحوا أرقاما إضافية في طوابير البطالة أو في مشروعات لا تمت بصلة إلى تخصصاتهم فماذا حدث؟ هل المشكلة في المنظومة الاقتصادية وحدها أم في مخرجات التعليم نفسها؟ هل نحن كأعضاء هيئة تدريس مسؤولون ولو جزئيًا عن هذا الفشل؟….

🔹كم مرة قمنا بمراجعة مناهجنا بصدق؟ كم مرة جلسنا لنناقش جدوى ما ندرسه؟ هل المواد التي نلقنها لطلابنا قادرة على تأهيلهم لسوق العمل؟ أم أننا نكرر نفس النظريات التي عفى عليها الزمن دون أن نسأل أنفسنا إن كانت صالحة لعصرنا هذا؟ إن العالم يتغير بسرعة مذهلة والتخصصات تتطور بوتيرة غير مسبوقة لكن في جامعاتنا السودانية ما زلنا نقدم محتوى أكاديميًا جامدًا و نكرر ما درسناه قبل عقود وكأن المعرفة توقفت عند زمن معين وإذا كان طالبنا اليوم يخرج إلى سوق العمل دون أن يجد نفسه فيه فالمشكلة ليست فقط في السوق بل في التعليم الذي تلقاه والتعليم مسؤوليتنا نحن….

🔹ثم هناك البحث العلمي ذلك المصطلح الذي يرفعه الجميع شعارًا لكنه في واقع الأمر لا يكاد يجاوز أدراج المكاتب وقاعات المؤتمرات التي تعج بالكلام و كم ورقة علمية خرجت من جامعاتنا واستطاعت أن تؤثر في السياسات العامة أو تقدم حلولًا عملية لقضايا الاقتصاد، الزراعة، الطاقة، النزاعات، أو حتى التعليم نفسه؟ أين هي تلك الدراسات التي تستطيع أن تحدث تغييرًا حقيقيًا في المجتمع؟ لماذا بات البحث العلمي لدينا أقرب إلى ممارسة شكلية لا هدف لها سوى الترقية الأكاديمية؟ لماذا تحولت الأبحاث إلى أوراق مكدسة تكتب فقط من أجل أن تكتب دون أن تكون لها قيمة تطبيقية حقيقية؟ في الدول المتقدمة البحث العلمي هو محرك الاقتصاد وهو القوة الدافعة وراء التطوير أما عندنا فهو مجرد إجراء أكاديمي بارد لا تأثير له ولا قيمة تذكر….

🔹ثم ماذا عن علاقتنا بالطلاب؟ كيف هو مستوى التدريس الذي نقدمه؟ هل نحن فعلًا نضع في اعتبارنا أن هذا الطالب الذي يجلس أمامنا اليوم هو من سيحمل مستقبل هذا الوطن؟ أم أننا نعامله وكأنه مجرد رقم في كشف الحضور والغياب؟ فإن الأستاذ الجامعي ليس مجرد محاضر يلقي المحاضرات بل هو مربي أجيال و صانع وعي وقائد فكري و لكن هل نمارس هذا الدور بجدية؟ هل نهتم فعلا بتنمية مهارات الطلاب الفكرية والنقدية أم أننا نكتفي بإلقاء المحاضرات دون أن نسأل أنفسنا إن كانت قد تركت أثرا حقيقيا؟…..

🔹نحن نطالب بحقوقنا وهذا مشروع لكننا نغفل عن واجباتنا وهذا مأزق أخلاقي قبل أن يكون مشكلة مهنية و إن الجامعات ليست مجرد مؤسسات تمنح الشهادات بل هي عقول الأمة ومتى فقدت قدرتها على إنتاج المعرفة وصناعة الحلول فإنها تصبح عبئًا بدل أن تكون قاطرة للتقدم فهل يحق لنا أن نطالب بتحسين أوضاعنا بينما مخرجاتنا لا تزال عاجزة عن تحسين وضع البلد؟ هل يجوز لنا أن نشكو من ضعف التمويل بينما أبحاثنا لم تثبت أنها تستحق الاستثمار؟….

🔹أحبتي إن أي منظومة قائمة على الحقوق فقط دون أن يكون لها التزامات واضحة هي منظومة مختلة وإذا كنا نحن أهل الفكر والمعرفة نعجز عن إنتاج حلول لمشاكلنا فمن أين سيأتي التغيير؟ فالتعليم هو الأساس الذي تقوم عليه أي نهضة والجامعات هي العقل المدبر لأي مجتمع وإذا كان هذا العقل غير قادر على ابتكار الحلول فكيف يمكننا أن نلوم الجهات الأخرى؟….

🔹ربما آن الأوان لطرح الأسئلة الصعبة لا لنجلد أنفسنا بل لنواجه الحقيقة كما هي لا يمكن أن يكون التعليم العالي مجرد وظيفة بل هو رسالة ومسؤولية ونحن لسنا مجرد موظفين نطالب بزيادة الرواتب بل نحن صانعو العقول التي ستقود هذا الوطن فماذا فعلنا بهذه العقول؟ وهل نحن مستعدون لتقديم إجابة صادقة عندما يسألنا التاريخ ماذا قدمتم للوطن؟….

🔹لقد حان وقت المراجعة الحقيقية حان وقت أن نقف أمام المرآة ونسأل أنفسنا هل نحن فعلًا نقوم بدورنا كما يجب؟ هل نقدم تعليمًا حقيقيًا أم مجرد شهادات؟ هل نؤهل طلابنا لسوق العمل أم نتركهم لمصير مجهول؟ هل نبحث عن المعرفة من أجل التطوير أم من أجل الترقية الأكاديمية؟ هل نحن مجرد جزء من المشكلة أم أننا نحاول أن نكون جزءًا من الحل؟….

🔹أحبتي هذه الأسئلة ليست اتهامًا بل هي دعوة للتفكير دعوة لأن نعيد النظر في أنفسنا قبل أن نطالب الأخرين بأن يعيدوا النظر فينا لأن الجامعة ليست مبنى وليست مناهج وليست درجات علمية بل هي عقل الأمة وإذا كان هذا العقل يعاني من الجمود فلا يمكن لأي نهضة أن تبدأ….

🔹إلى أن نلتقي…..

١٠ مارس ٢٠٢٥م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!