شيوخ “الملح الأحمر”

بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
mutsdal55@gmail.com
شيوخ “الملح الأحمر”
# من أصعب الأمور محاربة الجهل في بيئة يعتقد الناس فيها اعتقادًا كاملًا بأن من نصّبوه أو نصّب نفسه على غفلة منهم أو من آبائهم كقائم على أمرهم بأنه هو العالم الوحيد بينهم بينما هو أجهل الجاهلين.
# لذا فليس بمستغرب منه سعيه الدؤوب بكل ما أوتى من قوة الغش أو السحر بأن يظل أتباعه جهلاء وذلك حتى تسهل سيطرته عليهم ويسوقهم بكل خضوع لأية وجهة يريدها كيفما يريد ووقتما يريد.
# ليضمن له ذلك كسب المزيد من الكرامات المغشوشة والمصنوعة والمفبركة والتي يظل يرددها عليهم بنفسه أو بواسطة أهله و”مريديه” صباح مساء حتى لا تُنسى ويظلوا أسيرين لذكراها وسحر تأثيرها.
# مما يمكنه من أن يضع -كل الوقت- حبال الرق على أعناقهم بكل استسلام وبلا تفكير منهم للفكاك منها أبدًا وهنا ننوه بأنه وفي زماننا هذا لم يعد الاستعباد كما يظن الكثيرون يتوقف على الاسترقاق في العمل فقط.
# فإلى جانب القيام بكل أصناف العمل الشاقة فقد امتدت العبودية لسلب الخصوصيات ويمثلها ذلك في الاختيار الإجباري للتزويج والإكراه في التطليق وتسمية الأبناء وأخذهم لاحقًا ووصولًا لفرضها في تعاطي الدواء والعلاج.
# وسنركز في حديثنا هذا على العبودية الأخيرة منها أي الخاصة بعبودية العلاج حيث أدعيت عند أحدهم ككرامة وذلك بإخضاعه لكل المرضى من “مريديه” لتعاطي عقار واحد لا غيره والمتمثل في “الملح الأحمر” فقط.
# فهل نمطيته في العلاج الواحد تدل على أنه شيخ مستهتر وكسلان جدًا أو بالأدق مهمل مثله مثل الطبيب الذي لا يراجع آخر الدوريات في مجال عمله أول بأول حيث أن علاجه واحد وثابت وقديم.
# وذلك أنه كلما جاءه أحد منهم يشتكي ألمًا أو ورمًا في صدره أو حلقه فوصفته الثابتة له ضع عليها “لبخة” أو “عجينة” من “الملح” الأحمر” لدرجة أننا لم نعد نفرّق هل هي حبة ملح حمراء أم حبة سوداء؟
# ليكتشفوا لاحقًا وبعد أن تتقيح جروحهم وتفرز أوساخ الصديد المتعفنة بأنهم كانوا يعانون من داء السرطان فيفقدوا حياتهم بسبب هذا الإهمال المقصود منه لأنه من غير الممكن أن تختلف أمراضهم ويكون علاجهم واحد.
# ولأنهم مجرد أرقام في دائرة حظيرته لا بشرًا أسوياء فمن يشفى منهم بالصدفة فتلك كرامة تحسب له وتُنشر في الآفاق وأما من يموت منهم فلا أحد من أهله يتجرأ بمراجعته بأن دواءه لم ينفعه وكان السبب في موته.
# بل لا فرق يذكر عند هؤلاء “المريدين” المغيّبين حال جاءتهم تلك الوصفة “الملحية الحمراء” من أي فرد من أفراد تلك الأسرة (المباركة) فالبركة حاضرة وواحدة في كل الأحوال لكن أكثرها عندما تكون من الشيخ نفسه ثم أبنائه أو إخوانه أو… أو…
# إذًا فلا عجب بأن كل هؤلاء “المتجلبطين بالملح الأحمر” إذا طالبتهم بكل حسن نية بضرورة ذهابهم للطبيب حينها ينظرون إليك بكل الريبة متسائلة أعينهم وإن لم تنطقها ألسنتهم أتشك في وصفة شيخهم وعلاجه أم ماذا دها عقلك؟!
# فلا تدري وقتها من شدة إيمانهم وتسليمهم بها هل هم المجانين أم أنت المجنون لأنك تخاطب أمثال هؤلاء المعتوهين والمعتوهات لأنهم لو كانت لهم عقول يفكرون بها وليسوا بأضل من الأنعام سبيلًا.
# لتساءلوا -ولو لمرة واحدة- فإذا كان كل داء يُوصف له “الملح الأحمر” فقط فلماذا تتعب الدولة نفسها بافتتاح “المستشفيات” في المناطق المختلفة وتعمل على إعداد الكوادر الطبية وتوفير الأدوية وصناعتها و… و…؟
# أما السؤال المحرم الأكبر والذي من المؤكد لن يخطر على بالهم وإن خطر عليه لتعوذوا منه ومن (وسواسه الخنّاس) فطالما أن حبة “الملح الأحمر” وبطريقته تلك داء لكل شفاء وليست (كالحبة السوداء والتي هي شفاء لكل داء إلا السأم).
# فلماذا عندما يمرض الشيخ نفسه أو أحد من أبنائه وأحفاده ذهبوا به بأعجل ما يكون إلى أحدث “المستشفيات” والأولوية عندهم للتي خارج البلد أكثر من الموجودة فيه وإن اضطروا للداخلية فيه لاختاروا وقتها أجودها وأحدثها؟
# عليه فأين هم من الشيوخ الصادقين السابقين والذين إذا تيقنوا بأن دواء مريضهم ليس عندهم وإنما عند “الحكماء” أي الأطباء عجّلوا بتحويله إليهم بكل الفرح لأن غرضهم وهمهم النبيل حصول الشفاء والعافية لمرضاهم؟
# وليس كما يحدث الآن من بعضهم بوقوفهم كحجر عثرة في كل طرق المداواة لأنهم يريدون احتكار الفوائد والمكاسب المادية والمعنوية بصلاحياتهم المدعاة سواء في المشيخة أو التداوي بالأعشاب وحتى في الطب نفسه.
# وهنا تحضرنا مقالة الشيخ الذي استهجن أبناؤه منه موافقته على تعليم بعير الأمير القراءة خلال (4) سنوات ليقول لهم بمبرر حكيم أزال كل استغرابهم: (بعد كل هذه المدة يا مات البعير يا مات الأمير يا مات الفقير).
# عليه فلم يا أيها الشيوخ المدّعون لا تضعوا في حساباتكم أنه بمثل ما كان من الصعب تعليم بعير الأمير القراءة ولو بعد آلاف السنوات فكذلك من المستحيل شفاء كل أمراض مرضاكم بعلاج واحد هو فقط “الملح الأحمر” لا غير.
# أم أنكم يا أيها الأدعياء لا تؤمنون من تلك المقالة إلا بثلثها الأول فقط (موت البعير) مضحين في كل الأوقات بمريضكم فإن شُفي -بإذن الله- كنتم أنتم السبب وإن مات فكأنما مات بعير. هذا والله المستعان. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.