بربر: لا جسر تجري من تحته المياه

بسم الله الرحمن الرحيم
جدير بالذكر
د. معتز صديق الحسن
Mutsdal55@gmail.com
بربر: لا جسر تجري من تحته المياه
# يتداول السياسيون، والاقتصاديون، والاجتماعيون، و… و… علي سبيل المجاز -وكثيرًا- العبارة: (قد جرت مياه كثيرة تحت الجسر)؛ وذلك للدلالة على احتمالات كبيرة؛ لتغيرات في الأوضاع، والعلاقات، والتكتلات و… و… في ضوء معطيات، ومتغيرات، وأحداث جديدة؛ لم يكن متوقع حدوثها في أحسن الأحوال.
# لكن العبارة السابقة نفسها؛ لا يمكن استخدامها -على الإطلاق- على سبيل الحقيقة في مدينة “بربر” على الرغم من تجاوز عمرها، لمئات الأعوام؛ وذلك لأنه لا يوجد (كوبري) على طول امتداد حدودها الطويلة ما بين ضفتيها الشرقية، والغربية والبالغة قرابة المائة كيلومتر ؛حتي تجري من تحته مياه كثيرة كانت، أو قليلة.
# ونشير إلى؛ أنه تم التبشير بهذا الجسر في أحد خطابات رئيس الجمهورية المشير عمر البشير عبر اللقاء المباشر بمواطني المدينة قبل قرابة الخمس سنوات. كما أجريت بشأنه الدراسات على الأرض، وتم تحديد المكان الأنسب (جيولوجيًا) لموقع التشييد؛ لكن طال أمد الانتظار لرؤية هذا الحلم المستحق للتنفيذ دون أي مماطلة، أو تسويف، أو تأجيل، أو… أو…
# لأنه لو كانت صناعة التاريخ المجيد كافية؛ لأن تستحق المدن قراءة، وتلبية حاجاتها قبل مطالبتها بذلك؛ لكانت أي بربر -بلا أدنى شك- هي المدينة الأُولى، والأوْلى في تحقيق منحها هذه الاستجابة بلا من، أو أذي سواءً أكان ذلك من أهل السودان عامة، أو من أبنائها خاصة؛ لأنها تتكئ على تاريخ مشرف لو لم تصنع غيره للسودان لكفاها مؤونة سؤال تقديم الخدمات لها.
# فليتنا نمنحها مطالبها التي تتمناها، ولا نجعلها تأخذها غلابًا -وإن كانت لا تميل لفعل ذلك تلك المدينة الطيب أهلها- إذن فلنعطها كل ما تستحقه؛ لأنها قد منحتنا حق الافتخار بتاريخها التليد أوان كانت عاصمة للسودان في إحدى حقبه التاريخية، وملتقى طرق تفويج حجاج الداخل من كل أنحاء “السودان” وحجاج الخارج” من الدول المجاورة والبعيدة؛ بمعنى أنها كانت ملتقي طرق دينية -إن صحت العبارة- بالإضافة إلى أنها أيضًا تمثل ملتقى طرق لكل قوافل رحلات تجارة الشتاء، والصيف بالسودان لتجمع بين فضائل الدين، والدنيا.
# ويتواصل عطاؤها في تاريخها القريب، والمستقبلي؛ بحسب الدراسات العلمية وهي تمد كل السودان من خام الذهب ما يقدر بسبعة طن في السنة تحديدًا في العام 2014م -كما أوردت الاخبار- إلى جانب احتياطي الخام منه بكميات كبيرة، وذلك بعد ذهاب الجنوب (السابق)، والمنفصل بثروات نفطه.
# كما تتوفر فيها المواد الخام لصناعة الأسمنت؛ لتقوم مصانعه في شرقها، وفي غربها؛ لكن على الرغم من كل هذا الثراء التاريخي، والأدبي، (المعنوي)، والصناعي، والتعديني، (المادي) تظل غنية بمواردها العامة، وفقيرة في الخدمات الخاصة بها؛ فنأكل كل شبابها الإنتاجي، ونعاملها معاملة ذي الشيبة فلا نرحمها استهلاكًا.
# إذن وبناءاً على كل ما سبق؛ فإنا نريد لها جسرًا يعبر عليه الناس آمنين مطمئنين بدلًا من مخاطر عبورهم على ظهور “معديات” بدائية أقرب منها للعصر الحجري؛ متمثلة في “مراكب” خشب؛ و”لنشات” حديد. وعلى الرغم من وضعها المزرى هذا فيحشر فيها الناس، والحمير، والأغنام سواءً بسواء؛ لتكون مثلها مثل القشة التي يتمسك بها الغريق كطوق للنجاة.
# ومع بؤسها البائس هذا فهي -بلا تدقيق- تفتقر لأدنى شروط السلامة؛ فيتخطفهم داخلها الموت غرقًا بالعشرات (صباح – مساء) أو ينتابهم فيها الخوف المميت؛ جراء قرابة دفنها بالماء وهي تتوسط ما بين ارتفاع موجة، وانخفاض أخرى فحالهم هذا كمن يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت؛ فتبلغ قلوبهم الحناجر الآف المرات ما بين ضفة، وأخرى لا تتجاوز المسافة بينهما على أقصى تقدير ما يعادل الكيلومتر الواحد.
# ليفضلوا السفر برًا عشرات الكيلومترات؛ خاصة مواطنوها من الضفة الغربية؛ الذين لا يستطيعون التبضع من مدينتهم القريبة لا في مأكلهم، أو مشربهم، أو ملبسهم؛ بل أفضل لهم واضطرارًا على طريقة الإشارة للأذن البعيدة حال السؤال عن (أضانك وينها)؛ الذهاب للمدن الأخرى البعيدة -وإن كانت مجاورة- للتسوق منها؛ لأن تلك المدن لديها جسورًا؛ توفر الأرواح، والممتلكات، والأوقات.
# كذلك إنّا نريد رؤية هذا الجسر -قريبًا لا بعيدًا- لتعبر من فوقه خيراتنا الزراعية؛ من جنائن (جزيرة أرتولي)، والسليمانية، ومن لمحات نخيل الباوقة، وبساتينها؛ تمرًا، وفاكهة، وقمحًا … و… بالإضافة إلى حمل أثقال أرضها؛ المستخرجة من كنوز الذهب، وصخور الاسمنت، ومعدن “المايكا” …إلخ لتتواصل مسيرة المدينة الظافرة في دعم البلاد في سائر الأنشطة الحياتية المختلفة.
# عليه نأمل ونكرر أن يتم التنفيذ العاجل -غير الآجل- لهذا “الكبرى” على هدي؛ أنه بمثل وصلت إلى المدينة ثورات التعليم العالي، والمشاريع الزراعية، والمصانع، والطرق المعبدة -باستثناء طرق غرب النيل التي تحتاج لبذل الجهود لدفع اكمالها- فكذلك نتوق لأن تصلنا ثورات الجسور العابرة للنيل. سائلين الله ألا يطول انتظارنا لها. اللهم آمين يارب العالمين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.
أرشيف الكاتب