السياسة قبل الرياضة

رأي إعلامي

أ/ شاذلي عبدالسلام محمد

السياسة قبل الرياضة

🔹ليست كل المباريات تلعب من أجل الفوز فقط وليست كل الأهداف تسجل داخل الشباك و بالأمس وعلى أرضية استاد القاهرة كان الصراع كرويا بين الهلال السوداني والأهلي المصري لكنه في جوهره كان أعمق من ذلك فقد امتد ليصبح مشهدا يعكس أبعادا سياسية واجتماعية ضاربة في جذور العلاقة بين البلدين…..

🔹عزيزي القارئ عندما رفعت الجماهير السودانية لافتة تحمل عبارة (شكرا مصر) لم تكن مجرد كلمات تكتب على القماش بل كانت رسالة مغلفة بالشعور والامتنان رسالة من شعب عاش محنة الحرب وما زال يعاني تبعاتها لكنه وجد في مصر وطنا ثانيا ووجد في الشعب المصري سندا حقيقيا وكانت تلك اللافتة بمثابة هدف سياسي خارج المستطيل الأخضر يذكر بأن كرة القدم ليست مجرد رياضة بل لغة تعبر عن مكنونات الشعوب ومواقفها وأحيانا تكون أبلغ من الخطابات السياسية نفسها….

🔹احبتي على مدار العقود لعبت كرة القدم دورا يتجاوز حدود الملعب فكم من مباراة أعادت ترميم العلاقات بين دول وكم من مباراة فجرت أزمات بين أنظمة سياسية و لكن ما شهدناه بالأمس في لقاء الأهلي والهلال كان من النوع الأول حيث تحولت المباراة إلى مشهد سياسي مفعم بالود والإخاء ففي لحظة واحدة ومن بين آلاف الهتافات ظهرت اللافتة التي حملت كلمات بسيطة لكنها ثقيلة الوزن والدلالة…..

🔹فمنذ اندلاع الحرب في السودان فتحت مصر حدودها قبل أن تفتح أفواه الساسة بالتصريحات ومدت يد العون قبل أن تمتد طاولات المفاوضات و لم يكن الأمر مجرد استضافة لاجئين بل كان امتدادا طبيعيا للعلاقات التاريخية بين شعبين جمعهما النيل قبل أن تجمعهما السياسة…

🔹لكن ماذا تعني هذه الرسالة في سياقها السياسي؟ تعني أن الجماهير السودانية رغم كل الظروف لم تنس من وقف معها وأن المشاعر الحقيقية لا تحتاج إلى منصات دبلوماسية لتعبّر عنها بل تكفي لافتة في مدرجات مباراة لتوصل رسالة أصدق من ألف بيان رسمي….

🔹ربما يظن البعض أن كرة القدم مجرد لعبة لكنها أحيانا تكون مرآة تظهر ما لا تستطيع الحكومات قوله صراحة فبين مصر والسودان هناك علاقات معقدة شهدت صعودا وهبوطا وتوترات وتحالفات لكن الثابت دائما هو الروابط الشعبية التي لا تتأثر بتغير الأنظمة ولا بتبدل المصالح السياسية…

🔹الجماهير التي رفعت لافتة الشكر بالأمس لم تفعل ذلك بدافع المجاملة بل بدافع الحقيقة حقيقة أن مصر كانت ولا تزال الملاذ الأقرب والأكثر أمانا للسودانيين في أوقات الأزمات وبينما تتباطأ بعض الدول في اتخاذ مواقف إنسانية كانت القاهرة تفتح أبوابها بلا شروط تماما كما يفتح لاعب وسط الملعب مساحات لزميله المنطلق نحو الهجوم….

🔹احبتي لطالما كانت كرة القدم جسرا يقرب المسافات بين الشعوب وفي مباراة الأهلي والهلال رأينا كيف يمكن لكرة القدم أن تتحول إلى مساحة تعبر فيها الشعوب عن مواقفها بطريقة صادقة وغير مصطنعة فكما أن هناك تمريرات تصنع بدقة داخل الملعب هناك أيضا مواقف تصنع بإحساس خارج الملعب…..

🔹وهنا لا بد أن نسأل هل يمكن استثمار هذا المشهد الجميل لتعزيز العلاقات بين البلدين على مستويات أخرى؟ هل يمكن أن تكون الرياضة مدخلا لتقريب وجهات النظر السياسية وتخفيف حدة التوترات التي قد تنشأ بسبب اختلاف الرؤى؟ إن الإجابة واضحة فالتاريخ يشهد أن الشعوب تسبق حكوماتها دائما في بناء الجسور….

🔹قد ينسى البعض نتيجة المباراة لكن أحدا لن ينسى تلك اللافتة وكما أن كرة القدم تحسم أحيانا بأهداف في اللحظات الأخيرة فإن العلاقات بين الدول تحسم بمواقف بسيطة لكنها معبرة إن مباراة الهلال والأهلي كانت أكثر من مجرد مواجهة رياضية كانت درسا في كيف يمكن للرياضة أن تتحول إلى منصة تعبير سياسي وكيف يمكن لهتاف في المدرجات أن يحمل من الدلالات أكثر مما تحمله خطب السياسيين…..

🔹في الختام يمكن أن يتبدل الفائز والخاسر في كرة القدم لكن الفائز الحقيقي هو من يكسب احترام الشعوب وبالأمس أثبت الشعب السوداني أنه شعب وفي لا ينسى من وقف معه تماما كما أثبتت مصر أن العلاقات الحقيقية لا تقاس بعدد الاتفاقيات بل بعدد المواقف الصادقة…..

🔹الي ان نلتقي……

٢ أبريل ٢٠٢٥م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!